في عامها الخمسين ... الإمارات تسجل إنجازاتها بحروف من ذهب
2020-10-22
.jpg)
ورقة بحثية تقدمها مؤسسة وطني الإمارات بعنوان:
في عامها الخمسين ... الإمارات تسجل إنجازاتها بحروف من ذهب
بينما تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة، للاحتفال بيوبيلها الذهبي في الذكرى الخمسين لقيامها في هذا العام، تدفعنا هذه المناسبة الوطنية، إلى التوقف عند المعاني الكبيرة للإتحاد، ومسيرة التنمية والحضارة التي ابتدأت قبل خمسين عاماً على أيدي بناة الدولة الأوائل وعلى رأسهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه الذي حدد الأسس العريضة لهذا البنيان الحضاري، ليشكل فكره النير ونظرته المستقبلية خارطة الطريق لهذا البلد المعطاء الذي استطاع بفضل قيادته الحكيمة أن يختصر الزمن في الطريق إلى التميز والريادة، والحضارة بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
عام 1971 فجر جديد لمستقبل مشرق
لقد شكل العام 1971 في الإمارات انبثاقة مشرقة لفجر جديد بات أساس الآمال لأبناء الإمارات، وأنموذجاً حضارياً ليس على المستوى الإقليمي وحسب وإنما عالمياً أيضاً.
والحقيقة أن ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة، شكلت نقطة مضيئة في تاريخ هذه المنطقة، جاءت ثمرة جهود مضنية ومخلصة، بذلها رجال مؤمنون بالله والوطن، وضعوا نصب أعينهم تأسيس وطن يعتز به أبناؤه ويفخرون، رجال يفاخرون بعروبتهم ودينهم وتاريخهم، فكانوا خير البناة لوطن بات رمزاً للتسامح والإنسانية والعطاء.
وعلى مدار خمسين عاماً كانت النهضة الحضارية التي شيد دعائمها أهل هذه البلاد الطيبة، أنموذجاً حياً للتطور الإنساني الراقي، والذي شمل مختلف مناحي الحياة.
ترجمة حية لفلسفة التعايش السلمي والتسامح بين البشر
ومنذ قيامها شكلت هذه الدولة أنموذجاً حياً ومشرقاً، للدولة الحضارية، كما أنها أضحت ترجمة حية لفلسفة التعايش السلمي والتسامح بين البشر، مستلهمة من الثقافة الإسلامية، وفكر وفلسفة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، فباتت بذلك محط احترام واهتمام وتقدير العالم أجمع، كماغدت قبلة للكثير من الحالمين بحياة كريمة، من مختلف الجنسيات ، حياة تصان فيها كرامة الإنسان، وتمثل التربة الصالحة للعطاء والتطور باعتبارها باتت بفضل حكمة وإخلاص قيادتها وشعبها موطن الأمن والسلام الذي يحلم به أي إنسان طموح ، ويسعى إلى مستقبل أفضل.
فكرة الاتحاد في دولة واحدة والعمل المشترك لبناء دولة المستقبل
والحقيقة التي لا يجادل فيها أحد أن هذه النهضة الكبيرة والحضارة الإنسانية ما كانت لتقوم لولا السياسة الحكيمة الرشيدة لحكام الإمارات، وإخلاص الشعب الإماراتي، لهذه الدولة الشابة التي انبثق فجرها المضيء منذ بداية سبعينيات القرن الماضي عندما بدأت ملامح اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة بالتكوّن ونمت فكرة ضرورة الاتحاد في دولة واحدة والعمل المشترك لبناء دولة المستقبل التي يجمع بين أبنائها تاريخاً مشتركاً عريقاً وتراثاً عاشوه معاً قروناً عدّة، وهذا الارتباط العضوي بين أهل الإمارات هو في الواقع ما سهل عملية إقامة الاتحاد، وتأسيس هذا البناء الحضاري الشامخ، الذي وضعت لبناته بأيد أبناء الوطن في ظل قيادة مخلصة وضعت بناء مستقبل زاهر للبلاد في رأس أولوياتها، فكانت مسيرة البناء بروح التعاون والانسجام بين حكام الإمارات ما أسفر عن تطور ملحوظ في مجال التعليم، كأساس لابد منه لعملية التنمية، التي استطاعت أن تحول هذه البلاد من صحراء إلى واحات بمساحات كبيرة من الخضرة، بمشاركة فاعلة من جميع أبناء الوطن، ولا سيما المرأة الإماراتية التي أسهمت بشكل كبير ومؤثر في عملية البناء والتطوير، و أثبتت جدارتها بفضل الدستور الحكيم الذي منحها حقوقها وأولها التعليم والمساواة بفرص العمل.
ولا بد من الإشارة هنا إلى إن دولة الإمارات العربية بفضل هذه التجربة الناجحة والفريدة في تطبيقها على مستوى الوطن العربي جعلت للفرد الإماراتي الذي يعيش مقومات الازدهار اليوم وبالمستقبل هوية قومية يفخر بانتمائه إليها، وجعلت من الإمارات الوردة النضرة التي تزين تاريخنا العربي المعاصر، لتكون مصدر إلهام لكل أبناء الشعب العربي في كيفية بناء الأوطان.
التعليم صرح عالمي كبير
إن هذه الحضارة لم تكن لتولد لولا ارتكازها على العلم والمعرفة، شهد التعليم في الإمارات، ومنذ بداية انطلاقتها نقلة نوعية وتحوّل من الشكل التقليدي إلى التفاعلي، وبات يحاكي العالمية، ويساهم في المسيرة التنموية للدولة، فمنذ إعلان الاتحاد، عملت الدولة بكل جد وإخلاص على توفير فرص تعليم متكافئة لجميع أبناء الوطن.
ويمكن القول إن التعليم بشقيه العام والعالي في الإمارات حظي وعلى الدوام بدعم القيادة الرشيدة، إذ تم إنشاء المدارس والمرافق التعليمية والجامعات والكليات ومضت الدولة في تأسيس منظومة تعليمية ريادية ومتطورة أسهمت في تخريج أجيال إماراتية متعلمة أسهمت فيما بعد في تدعيم مسيرة الدولة في كافة المجالات وخطت الدولة خطوات سريعة ومتتابعة جعلتها تبارز الكثير من الدول، وجعل منها مصدر نور علمي حقيقي، تسابقت الكثير من الجامعات العالمية المشهورة إلى الإمارات لتأسس لها فروعاً في الإمارات التي تبني مستقبلها بكل قوة، على العلم والمعرفة، واستشراف المستقبل.
الإمارات إنجازات وصلت للفضاء
ولو تتبعنا مسيرة هذه الدولة الفتية، لأبهرنا حجم الإنجازات الكبيرة التي استطاعت تحقيقها بوساطة العلم والمعرفة والابتكار، وتسخير كل ما تملك من إمكانات لأجل التنمية المستدامة التي باتت شعاراً مهماً لها، اختصرت المسافة في سبيلها إلى الرقي والتطور بشكل أذهل القريب والبعيد، ما جعلها مثالاً يحتذى به ليس على مستوى المنطقة وحسب وإنما على المستوى العالمي أيضاً، استطاعت بفضل سياستها الواعية تحقيق إنجازات علمية هائلة وصلت إلى حدود الفضاء الخارجي واكتشافه، كما هو الحال بإطلاقها "مسبار الأمل"، في الـ15 من يوليو الماضي ، مبتدءأ رحلة نحو «الكوكب الأحمر»، في مهمة علمية رائدة بحلول فبراير 2021، وفق الجدول الزمني المخطط للرحلة، والذي يتزامن وصوله مع الذكرى الـ50 لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي يعزز حضور الإمارات على الساحة العلمية في العالم لا سيما أن هذه المهمة الإستكشافية للمسبار تنجز من خلال كاميرا الاستكشاف الإماراتية التي جرى تصنيعها وتركيبها في مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي، بعقول وأيدي كوادر إماراتية شابة، الأمر الذي يثبت إمكانات وجدارة العقل العربي، وقدرته على اللحاق بركب العلوم والحضارة، كما يثبت أهمية وحكمة السياسة الإماراتية، التي تضع، فكرة الإستثمار في الإنسان على راس أولوياتها .
الإمارات شريك عالمي في تطوير المعرفة
أن مشروع استكشاف المريخ من شأنه أن يعزز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة، وموقعها كشريك عالمي في تطوير المعرفة، كما أنه سيسهم في إحداث تحولات جذرية وهامة في تطوير القدرات العلمية الإماراتية والعربية في مجال البنى التحتية الهندسية والصناعية والعلمية والبحثية، وخطوة كبيرة نحو مستقبل علمي زاهر، وتكمن الأهمية الكبرى للمشروع الإماراتي الأول إلى كوكب المريخ، في أنه سوف يجعل الإمارات ضمن تسع دول فقط في العالم لديها برامج فضائية لكوكب المريخ، كما أنه يأتي ليعزز مسيرة الإمارات العلمية، في إطار استراتيجية"رؤية الإمارات" عام 2021 .
فلسفة التسامح
ومع أهمية العلم في مسيرة البناء والتطور شكل التسامح في الإمارات أيضاً، أحد أهم الأسس التي قامت عليها البلاد، واتخذتها كمنهج حياة، لا سيما وأن التسامح وفلسفة العيش المشترك يستمدان جذورهما من العادات والتقاليد العربية الأصلية، والقيم الإسلامية السمحاء التي تربى عليها الإماراتيون، والتي لا يمكن أن تنفصل عن منظومة القيم والمبادئ التي أرساها الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات، والعقل المدبر لمسيرة حضارتها، التي ابتدأت بالإشراق منذ قيام الإتحاد، وحتى يومنا هذا .
وكما هو معروف فإن أي تطور حضاري يبقى منقوصاً ما لم يتسم بالمعاني الإنسانية، حيث تعني الأنسنة الارتقاء بعقل الإنسان، وتهذيبه باعتبار أن الإنسان تميز عن غيره من المخلوقات بعقله، الذي بواسطته ارتقى عن غيره من المخلوقات وسما في سلوكه عنها.
وهذه في الواقع الفلسفة الأخلاقية التي تربى عليها الشعب الإماراتي ،وهي الفلسفة التي كان يركز عليها الراحل الكبير الشيخ زايد رحمه الله.
ويحضرنا هنا قول المغفور له الشيخ زايد : ليس مهماً كم نبني من المنشآت والمؤسسات والمدارس والمستشفيات، أوعدد الجسور التي نشيّدها، فكل ذلك كيانات مادية، الروح الحقيقية التي تدفع التقدم للأمام هي الروح الإنسانية، الرجل القادر بفكره وملكاته”.
على خطى زايد
ومن يتابع مسيرة الإمارات الحضارية المتواصلة منذ فجر الإتحاد، حتى يومنا هذا، يلاحظ من دون عناء، أن فلسفة التعايش والسلام، واحترام الآخر، كانت الأسس الواقعية التي شيدت عليها النهضة الحضارية للإمارات، وباتت من أهم الصفات التي تميز هذه البلاد، التي يتعايش على أرضها أكثر من مئتي جنسية، بأديان ومعتقدات مختلفة، تحت مظلة من السلام والوئام والمحبة، ما جعل من الإمارات مضرب الأمثال، ليس على مستوى المنطقة وإنما العالم .
والواقع أن هذا المناخ الحضاري الإنساني هو ما فتح الباب أمام الإمارات لولوج مضمار العلم والمعرفة من أوسع أبوابه، وازدهرت كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتحققت الكثير من الإنجازات العملاقة، التي باتت مع الزمن مصدر فخر واعتزاز لكل أبناء الإمارات بل مصدر اعتزاز أيضاً لكل عربي.
وبفضل هذا المناخ الرائع والتشجيع الكبير الذي تقدمه القيادة الإماراتية لأبناء الوطن، استطاعت الإمارات أن تسير بخطوات مسرعة نحو المستقبل، فكانت الأولى دائماً في الريادة والتميز، واستطاعت أن تترك بصماتها في مختلف مناحي الحياة الإنسانية لتكون رسالة شعب آمن بالحياة، واستطاع أن يحقق المعجزات في مسيرته الحضارية المستمرة، التي تستمد قوتها واستمراريتها من إيمان الشعب الإماراتي بقيادته وإخلاصه لوطنه ومبادئه.
ورغم أن هناك الكثير من الإنجازات التي يصعب حصرها في هذه العجالة، إلا أننا يجب ألا ننسى أن الإمارات استطاعت أن تنمو إقتصاديا بشكل مذهل خلال سنين الإتحاد، لتصبح إحدى أقوى الإقتصادات في المنطقة، ناهيك عن التطور العلمي والتقني الهائل الذي تشهده البلاد في مختلف الميادين، بالإضافة إلى انتشار المصانع وورش البناء والمشاريع العملاقة، التي باتت مثار دهشة العالم بأسره.
فلسفة السلام
وعلى الرغم من أهمية النهضة العلمية والإقتصادية التي تشهدها الإمارات إلا أن ما يميز دولة الإمارات هو حبها الشديد للسلام، وحرصها على تعزيز لغة الحوار بين الشعوب، وتسييد لغة التعاون، ونبذها للتطرف والإرهاب، كما أنها كانت السباقة دائماً في نشر قيم التسامح بل وامتلكت الأسبقية في إنشاء وزارة خاصة للتسامح، بالإضافة إلى رعايتها لأهم المنتديات والملتقيات التي تدعو إلى إعلاء روح التسامح والحوار بين جميع الأديان، ورفض الإرهاب والتطرف، ما يبرز بوضوح المعاني والقيم الإنسانية التي تلتزمها الإمارات ليس في التعايش السلمي بين أطياف المجتمع الإماراتي المتنوع وحسب، وإنما في علاقاتها الخارجية أيضا حيث ظلت الإمارات تواقة إلى العمل المخلص والجاد من أجل ترسيخ علاقات التعاون بين الشعوب، وإحلال لغة الحوار فيما بينها، للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، الأمر الذي جعل الإمارات تحظى بتقدير واحترام العالم أجمع.
أخيراً يمكننا القول إن الإحتفال بالذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، لن يكون احتفالاً إماراتياً خاصاً، بل عربيا أيضاً، لأن هذه الدولة الفتية، أثبتت قدرة الإنسان العربي ليس على العمل والبناء وحسب، وإنما على التميز والريادة دائماً.